موضوع: هوس انفلونزا الخنازير الثلاثاء نوفمبر 03, 2009 9:17 am
وقفة مع .. [rand]أنفلونزا الخنازير؟[/rand]
يعيش العالم بأسره هوس هذا المرض، وكثرة حملاته العلاجية والإعلامية والتي بعضها يناقض البعض في كثير من الأحيان، ومصحات خاصة، وتطعيمات ... الخ.
لكن ما يؤسف ما يعيشه بعض المسلمين والمسلمات من هوس غير منضبط، وخوف غير مبرر، وجهل في بعض المسائل. ولذلك جاء الكلام عن هذا المرض من خلال زوايا ثلاث هي كالتالي:
1. الأمور بقدر الله.
2. القدر لا يحصل إلا بأسباب.
3. فعل السبب لا ينافي التوكل على الله. الزاوية الأولى: (الأمور بقدر الله عز وجل)
وهذا من أركان الإيمان. (الإيمان بالقدر خيره وشره)
والناظر في هذه الأركان يلاحظ أن الإيمان بالقدر قصي هناك في الركن السادس، والإيمان بالله جاء الأول ومعلوم أنه هو الأصل، فمتى انغرس الإيمان بالله في قلب المؤمن فإن كل الخيوط تنشد إليه؛ فالملائكة مثلاً لن يؤمن بها إلا مؤمن بالله فهم صادرين منه، وكذلك الإيمان بالقدر فهو قدره سبحانه وهو الذي شرعه، وكذلك الأمر في سائر الأركان.
إذاً فالركن السادس مشدود بالأول.
فمتى ما تهلهل الأصل تساقطت الفروع، فكيف لك أن تشد شيء بأصل مهلهل. لذلك انظر لحال البعض عند وقوع المصائب ـ نسأل الله الثبات ـ ممن عندهم عدم رسوخ إيماني فإن أحدهم يرسب في أدنى امتحان. ولذلك يا إخواني متى ما كان التنظير بدون تربية الذات عليه فإنه يصبح بلا معنى.
فكما نؤمن بأن الله تعالى هو المحيي والمميت، كذلك نؤمن بأن كل شيء عنده بقدر،
إذا فهذا المرض بقدر الله.
وقد قرر الصحابة رضي الله عنهم أن كل شيء بقدر الله.
فالمرض قدر، وكذا العز، والذل، والغنى، والفقر، والولد، والعقم ... وكما في اندونيسيا جاء الطوفان وأهلك من أهلك في ثواني، وقبل 4 سنوات مات أكثر من(150000) ودمرت قرى واجتيحت مدن. يعني أنك تتقلب في قدر الله
فهل تؤمن بحكمة الله وقضاءه وقدره؟
إذا كان الجواب: نعم. عندها فقط ستسلم لأقداره سبحانه مهما حزن قلبك. فليس التسليم فقط في أقدارك الشخصية، بل حتى في أقدار الأمة والمجتمع.
وما الفرق بينك إن مت بهذا المرض، وغيرك الذي سيموت بجلطة، أو بحادث، أو بسرطان ... الخ. ثم لنفرض أنك حصنت نفسك من كل هذا، فماذا ستفعل بموت الفراش (الفجأة!).
إذاً ليس في سبب الميتة إشكال، فكلنا سنموت، لكن المصيبة التي لا بد أن تشغلنا هي:
ما هو الشيء الذي سأموت عليه؟
هل وأنا أصلي؟ أم أقرأ القرآن؟ أم أكتب شيء يسرني في القيامة أن أراه؟ أم وأنا أغتاب؟ أم أدخن؟ أم أعاكس؟ أم أعصي نبيي صلى الله عليه وسلم في أمر من أموره؟ أم أُعِد توقيعاً أفتن به مسلماً أو مسلمة فأتحمل يوم القيامة إثم كل من نظر إليه؟ ... الخ.
المشكلة والله في سوء الخاتمة، فلا يشغلنا شيء لا يؤثر علينا، وننسى الأمر العظيم وهو ما هو الشيء الذي سألقى الله عليه؟ فكثير من الناس يعمل أعمالاً تصب عليه الأجور حتى عندما يودع الدنيا ويوضع في قبره، وآخرين يعملون ويكتبون ما يصب عليهم الأوزار حتى بعد مماتهم والعياذ بالله، ووالله أنه يكفينا ما عندنا من المعاصي في حياتنا، ولسنا بحاجة إلى أن تصب علينا في قبورنا بعد مماتنا.
الزاوية الثانية: (القدر لا يحصل إلا بأسباب)
وهذا لا يفقهه إلا أمثال عمر رضي الله عنه، وأمثالكم من المؤمنين لما أراد أن يتجاوز الطاعون وقيل له: أتفر من قدر الله، فقال: (أفر من قدر الله إلى قدر الله)، ثم ضرب لهم مثالاً على ذلك فقال: إذا رعيت في واد مُخضر فهل ترعى بقدر الله أم لا؟ وإذا رعيت في ممحل فهل هو بقدر الله؟
إذاً أنت مأمور بفعل الأسباب، ولا يعني ذلك الفرار من قدر الله. وكل شيء يحصل فله سبب
إذاً فهذا المرض وغيره من المصائب هو بما كسبت أيدينا.. ويعفوا عن كثير..
فلا بد أن نعترف بأن هذا بسبب ذنوبنا، وإلا فقد جاء كذلك حديث خاص أخرجه الحاكم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه متى ما فشت فينا الفواحش حتى نعلن بها، فإنه ستفشو فينا الأوجاع التي لم تكن في أسالفنا.
والآن يُتكلم عن الفواحش كأنها انجازات وفتوحات إسلامية، ونرى هذا في كثير من بلاد المسلمين، فهذا مؤذن والله بحلول النقمات والعقوبات.
قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (41) سورة الروم. فحتى البحر تأثر من المعاصي، ثم بين سبحانه أن كل ذلك لعلهم يرجعون إليه ويتوبون.
الزاوية الثالثة: (فعل الأسباب ليس تخلياً عن التوكل على الله)
فمن لبس كمام، أو عقم يديه، ليس هذا موسوس، ومن قال ذلك ففيه جهل فاضح.
فالعدوى ثابتة شرعاً وحساً، ولكن يكتنفها في التعامل طرفان:
الأول: ظن الجاهلية أنها تنتقل بنفسها، وينسى قدر الله، وهذا يجاب عليه بالحديث المتفق عليه: (فمن أعدى الأول)، وهذا الاعتقاد منفي بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة). أي لا يظن بأنها تنتقل لوحدها.
الثاني: ترك الأسباب الشرعية والحسية للسلامة من العدوى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (فر من المجذوم فرارك من الأسد).
لذا احذر أن تنسف أحد الحديثين المذكورين سابقاً، بل اجمع بينهما، وذلك بأن نقول بأن:
حديث الطرف الأول:
يعني وأنت تفر احذر أن تفر من العقيدة وتنسى أن كل شيء بقدر الله. ففرارك فقط سبب وإلا قد يصيبك المرض وأنت تفر وتحتاط، ولذلك بعض المرضى خالطه بعض الأصحاء ولم يصابون بشيء، بينما آخرون تقطعوا من الفرار والخوف وجاءهم المرض. إذا فكل شيء بأمر الله، وهذا ربما لأنه هرب من المرض، وهرب من العقيدة كذلك.
حديث الطرف الثاني:
فيه أمر بفعل الأسباب. فلا يتعرض إنسان لمسببات المرض ويقول متوكل، فهذا قد جمع بين طامتين، جهل بالشرع، وخبل في العقل. فلا تدخل على مريض وتقول لن أمرض. فالحديث قاعدة وقائية.
فلن تفر من أمر الله إلا إلى أمر الله عز وجل، لكن فقط افعل الأسباب، وتوكل على مسببها عز وجل.
ونحن نرى الآن هوس وخوف من هذا المرض، بل بعضهم ذلك عندهم حتى قبل المرض، فإذا سلم على أحدهم ذهب ليطهر يديه وينقيها حتى يكاد يقطعها.
إذاً فر بالأسباب العلمية، ولكن:
توكل على الله وليس على الأسباب.
وأهل اليمن قد نزل فيهم قرآن لغلطهم في التوكل، قال تعالى: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (197) سورة البقرة. فهم لم يأخذوا زاداً بحجة التوكل. وهذا في البخاري بسنده عن ابن عباس.
فأمرهم سبحانه { وَتَزَوَّدُواْ } يعني الزاد الدنيوي، لكن أكد سبحانه بعدها على الزاد العظيم النافع في الآخرة { فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }.
فكما تطل على رصيدك في الدنيا فتطمئن على أهلك، طل على زادك في الآخرة، وانظر كم هي طاعاتكم، وكم قد اجترحت من السيئات.
كفانا الله شر كل داء، ورفع اللأواء، وجنبنا كل سوء، بتوبة التائبين، وصدق اللجوء إليه عز وجل، ثم بعد ذلك فعل الأسباب.
اللهم ادفع عنا الغلا، والوباء، والزنا، والربا، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن يا حي يا قيوم، يا ذى الجلال والإكرام. اللهم آآآآآمين.